فصل: من أقوال المفسرين في قوله: {الحي}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين في قوله: {الحي}:

.قال القرطبي:

{الحي القيوم} نعت لله عز وجل، وإن شئت كان بدلًا من هو، وإن شئت كان خبرًا بعد خبر، وإن شئت على إضمار مبتدأ.
ويجوز في غير القرآن النصب على المدح.
والحيّ اسم من أسمائه الحسنى يسمى به، ويقال: إنه اسم الله تعالى الأعظم.
ويقال: إن عيسى ابن مريم عليه السلام كان إذا أراد أن يحيي الموتي يدعو بهذا الدعاء: يا حيّ يا قيوم.
ويقال: إن آصف بن بَرْخِيَا لما أراد أن يأتي بعرش بلقيس إلى سليمان دعا بقوله يا حيّ يا قيوم.
ويقال: إن بني إسرائيل سألوا موسى عن اسم الله الأعظم فقال لهم: أياهيا شراهيا، يعني يا حيّ يا قيوم.
ويقال: هو دعاء أهل البحر إذا خافوا الغرق يدعون به.
قال الطبريّ عن قوم: إنه يقال حيّ قيوم كما وصف نفسه، ويُسلّم ذلك دون أن يُنْظْر فيه.
وقيل: سمى نفسه حيًا لصرفه الأُمور مصاريفها وتقديره الأشياء مقاديرها.
وقال قتادة: الحيّ الذي لا يموت.
وقال السدي: المراد بالحيّ الباقي.
قال لبيد:
فإمّا تَرِيني اليومَ أصبحتُ سالمًا ** فلستُ بأحْيَا من كِلابٍ وجَعْفَرِ

وقد قيل: إن هذا الاسم هو اسم الله الأعظم. اهـ.

.قال صاحب الميزان:

وأما اسم الحي فمعناه ذو الحياة الثابتة على وزن سائر الصفات المشبهة في دلالتها على الدوام والثبات.
والناس في بادئ مطالعتهم لحال الموجودات وجدوها على قسمين: قسم منها لا يختلف حاله عند الحس ما دام وجوده ثابتا كالأحجار وسائر الجمادات، وقسم منها ربما تغيرت حاله وتعطلت قواه وأفعاله مع بقاء وجودها على ما كان عليه عند الحس، وذلك كالإنسان وسائر أقسام الحيوان والنبات فإنا ربما نجدها تعطلت قواها ومشاعرها وأفعالها ثم يطرأ عليها الفساد تدريجا، وبذلك أذعن الإنسان بأن هناك وراء الحواس أمرا آخر هو المبدأ للإحساسات والإدراكات العلمية والأفعال المبتنية على العلم والإرادة وهو المسمى بالحياة ويسمى بطلانه بالموت، فالحياة نحو وجود يترشح عنه العلم والقدرة.
وقد ذكر الله سبحانه هذه الحياة في كلامه ذكر تقرير لها، قال تعالى: {اعلموا أن الله يحيى الأرض بعد موتها} [الحديد- 17]، وقال تعالى: {أنك ترى الأرض خاسعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحي الموتى} فصلت- 39، وقال تعالى: {وما يستوي الأحياء ولا الأموات} فاطر- 22، وقال تعالى: {وجعلنا من الماء كل شيء حي} الأنبياء- 30، فهذه تشمل حياة أقسام الحي من الإنسان والحيوان والنبات.
وكذلك القول في أقسام الحياة، قال تعالى: {ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها} يونس- 7، وقال تعالى: {ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} المؤمن- 11، والإحيائان المذكوران يشتملان على حياتين:
إحداهما: الحياة البرزخية، والثانية: الحياة الآخرة، فللحياة أقسام كما للحي أقسام.
والله سبحانه مع ما يقرر هذه الحياة الدنيا يعدها في مواضع كثيرة من كلامه شيئا رديا هينا لا يعبأ بشأنه كقوله تعالى: {وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع} الرعد- 26، وقوله تعالى: {تبتغون عرض الحياة الدنيا} النساء- 94، وقوله تعالى: {تريد زينة الحياة الدنيا} الكهف- 28، وقوله تعالى: {وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو} الأنعام- 32، وقوله تعالى: {وما الحياة الدنيا إلامتاع الغرور} الحديد- 20، فوصف الحياة الدنيا بهذه الأوصاف فعدها متاعا والمتاع ما يقصد لغيره، وعدها عرضا والعرض ما يعترض ثم يزول، وعدها زينة والزينة هو الجمال الذي يضم على الشيء ليقصد الشيء لأجله فيقع غير ما قصد ويقصد غير ما وقع، وعدها لهوا واللهو ما يلهيك ويشغلك بنفسه عما يهمك، وعدها لعبا واللعب هو الفعل الذي يصدر لغاية خيالية لا حقيقية، وعدها متاع الغرور وهو ما يغر به الإنسان.
ويفسر جميع هذه الآيات ويوضحها قوله تعالى: {وما الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون} العنكبوت- 64، يبين أن الحياة الدنيا إنما تسلب عنها حقيقة الحياة أي كمالها في مقابل ما تثبت للحياة الآخرة حقيقة الحياة وكمالها، وهي الحياة التي لا موت بعدها، قال تعالى: {آمنين لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى} الدخان- 56، وقال تعالى: {لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد} [ق- 35]، فلهم في حياتهم الآخرة أن لا يعتريهم الموت، ولا يعترضهم نقص في العيش وتنغص، لكن الأول من الوصفين أعني الأمن هو الخاصة الحقيقة للحياة الضرورية له.
فالحياة الأخروية هي الحياة بحسب الحقيقة لعدم إمكان طرو الموت عليها بخلاف الحياة الدنيا، لكن الله سبحانه مع ذلك أفاد في آيات أخر كثيرة أنه تعالى هو المفيض للحياة الحقيقية الأخروية والمحيي للإنسان في الآخرة، وبيده تعالى أزمة الأمور، فأفاد ذلك أن الحياة الأخروية أيضا مملوكة لا مالكة ومسخرة لا مطلقة أعني أنها إنما ملكت خاصتها المذكورة بالله لا بنفسها.
ومن هنا يظهر أن الحياة الحقيقية يجب أن تكون بحيث يستحيل طرو الموت عليها لذاتها ولا يتصور ذلك إلا بكون الحياة عين ذات الحي غير عارضة لها ولاطارئة عليها بتمليك الغير وإفاضته، قال تعالى: {وتوكل على الحي الذي لا يموت} الفرقان- 58، وعلى هذا فالحياة الحقيقية هي الحياة الواجبة، وهي كون وجوده بحيث يعلم ويقدر بالذات.
ومن هنا يعلم: أن القصر في قوله تعالى: {هو الحي لا إله إلا هو} قصر حقيقي غير إضافي، وأن حقيقة الحياة التي لا يشوبها موت ولا يعتريها فناء وزوال هي حياته تعالى.
فالأوفق فيما نحن فيه من قوله تعالى: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} الآية، وكذا في قوله تعالى: {الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم} آل عمران- 1، أن يكون لفظ الحي خبرا بعد خبر فيفيد الحصر لأن التقدير، الله الحي فالآية تفيد أن الحياة لله محضا إلا ما أفاضه لغيره. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {القيوم}:

.قال القرطبي:

{القيوم} مِن قام؛ أي القائم بتدبير ما خلق؛ عن قتادة.
وقال الحسن: معناه القائم على كل نفس بما كسبت حتى يجازيها بعملها، من حيث هو عالم بها لا يخفى عليه شيء منها.
وقال ابن عباس: معناه الذي لا يحول ولا يزول؛ قال أُمَيَّة بن أبي الصَّلْت:
لم تُخلَقِ السماءُ والنجومُ ** والشمس مَعْها قَمرٌ يقومُ

قدّره مُهَيْمِن قَيّومُ ** والحشْرُ والجنَّة والنّعيمُ

إلاّ لأمْرٍ شأنُه عظيمُ

قال البيهقي: ورأيت في عيون التفسير لإسماعيل الضرير في تفسير القَيُّوم قال: ويقال هو الذي لا ينام؛ وكأنه أخذه من قوله عز وجل عقيبه في آية الكرسي: {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ}.
وقال الكلبيّ: القيوم الذي لا بدء له؛ ذكره أبو بكر الأنباريّ. اهـ.

.قال الفخر:

اختلفت عبارات المفسرين في هذا الباب، فقال مجاهد: القيوم القائم على كل شيء، وتأويله أنه قائم بتدبير أمر الخلق في إيجادهم، وفي أرزاقهم، ونظيره من الآيات قوله تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ على كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرعد: 33] وقال: {شَهِدَ الله أَنَّهُ لا إله إِلاَّ هُوَ} [آل عمران: 18] إلى قوله: {قَائِمًا بالقسط} وقال: {إِنَّ الله يُمْسِكُ السموات والأرض أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مّن بَعْدِهِ} [فاطر: 41] وهذا القول يرجع حاصله إلى كونه مقومًا لغيره، وقال الضحاك: القيوم الدائم الوجود الذي يمتنع عليه التغير، وأقول: هذا القول يرجع معناه إلى كونه قائمًا بنفسه في ذاته وفي وجوده، وقال بعضهم: القيوم الذي لا ينام بالسريانية، وهذا القول بعيد حينئذ في قوله تعالى: {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ}. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ}:

.قال أبو حيان:

{لا تأخذه سنة ولا نوم} يقال: وسن سنة ووسنًا، والمعنى: أنه تعالى لا يغفل عن دقيق ولا جليل، عبر بذلك عن الغفلة لأنه سببها، فأطلق اسم السبب على المسبب قال ابن جرير: معناه لا تحله الآفات والعاهات المذهلة عن حفظ المخلوقات، وأقيم هذا المذكور من الآفات مقام الجميع، وهذا هو مفهوم الخطاب، كما قال تعالى: {ولا تقبل لهما أف} وقيل: نزه نفسه عن السنة والنوم لما فيها من الراحة، وهو تعالى لا يجوز عليه التعب والاستراحة.
وقيل: المعنى لا يقهره شيء ولا يغلبه، وفي المثل: النوم سلطان قال الزمخشري: وهو تأكيد للقيوم، لأن من جاز عليه ذلك استحال أن يكون قيومًا. اهـ.

.قال ابن عاشور:

ونفي استيلاء السنة والنوم على الله تعالى تحقيق لكمال الحياة ودوام التدبير، وإثبات لكمال العلم؛ فإنّ السنة والنوم يشبهان الموت، فحياة النائم في حالهما حياة ضعيفة، وهما يعوقان عن التدبير وعن العلم بما يحصل في وقت استيلائهما على الإحساس.
ونفي السنة عن الله تعالى لا يغني عن نفي النوم عنه لأنّ من الأحياء من لا تعتريه السنة فإذا نام نام عميقًا، ومن الناس من تأخذه السنة في غير وقت النوم غلبة، وقد تمادحت العرب بالقدرة على السهر، قال أبو كبير:
فأتَتْ به حُوشَ الفُؤادِ مُبَطَّنًا ** سُهُدًا إذَا ما نَام ليلُ الهَوْجَلِ

والمقصود أنّ الله لا يحجب علمه شيء حجبًا ضعيفًا ولا طويلًا ولا غلبة ولا اكتسابًا، فلا حاجة إلى ما تطلّبه الفخر والبيضاوي من أن تقديم السنة على النوم مراعى فيه ترتيب الوجود، وأنّ ذكر النوم من قبيل الاحتراس.
وقد أخذ هذا المعنى بشّار وصاغه بما يناسب صناعة الشعر فقال:
وليلٍ دَجُوجِي تَنَامُ بناتُه ** وأبناؤه من طُوله ورَبَائِبه

فإنّه أراد من بنات الليل وأبنائه الساهرات والساهرين بمواظبة، وأراد بربائب الليل من هم أضعف منهم سهرًا لليلِ لأنّ الربيب أضعف نسبة من الولد والبنت. اهـ.

.قال الفخر:

الدليل العقلي دل على أن النوم والسهو والغفلة محالات على الله تعالى، لأن هذه الأشياء، إما أن تكون عبارات عن عدم العلم، أو عن أضداد العلم، وعلى التقديرين فجواز طريانها يقتضي جواز زوال علم الله تعالى، فلو كان كذلك لكانت ذاته تعالى بحيث يصح أن يكون عالمًا، ويصح أن لا يكون عالمًا، فحينئذ يفتقر حصول صفة العلم له إلى الفاعل، والكلام فيه كما في الأول والتسلسل محال فلابد وأن ينتهي إلى من يكون علمه صفة واجبة الثبوت ممتنعة الزوال، وإذا كان كذلك كان النوم والغفلة والسهو عليه محالا. اهـ.